علي الشرقاوي: أنتظر إتمام مشاريعي الأدبية لأنها أوسمتي

وجوه

Active member
علي الشرقاوي: أنتظر إتمام مشاريعي الأدبية لأنها أوسمتي



حوار - نجاح المساعيد:
يشرق الشعر من جهة اليسار حيث قلبه، ومن يمينه تنبثق القصائد لأجل الإنسان··
أضاف إلى البحرين بحراً من الأشعار والمؤلفات القيّمة العالية في أنماط إبداعية ومعرفية عديدة··
تعرفه القلوب والدروب والخطوب، سار فيها وإليها، وترك في كل منها بصمته··
شاعر كبير وإنسان كثير·· وإبداع جميل وحضور نبيل ربما بذا نختصر التعريف بالأديب الرائع علي الشرقاوي، وإن لايفيه حقه·
رحبوا معنا في هذا الحوار القيّم والثري معه ··

سمعت عن ترجمات قصائدي ولم أرها بعد!

حين يتحدث الشعراء عن بداياتهم الشعرية يشيرون إلى ذكريات جميلة ترتبط بها، على عكسك فقد أشرت إلى أن علاقتك بالشعر بدأت بالشارع وبيوت سعف النخيل وقصص والدتك ومواويل والدك وسرقة بعض الكتب والمجلات، كأن هذه الظروف هي التي شكّلت وجهتك إلى الأدب، أم ثمة ظروف أخرى؟
في تصوري الشخصي إن كل ما يذهب في الزمن يتحوّل إلى ماضٍ، وكل ما يموت يحاول أن يسترجعه الإنسان، رغم معرفته بلا إمكانية استرجاع هذا الشيء إلا عن طريق إعادة إنتاجه في الذاكرة، ولأن هناك لحظات جميلة عاشها إنسان ما، في مكان ما، فإن هذه اللحظات تبقى في الذاكرة، لا تغادرها·· وأنا كغيري عشت مثل هذه اللحظات الجميلة، إلا أن كمية الحزن والألم كانت أكثر مما يستوعبه عقلي الطفلي، ليست لدينا الحدائق أو الغابات لكي نتكلم عن تأثيرها على تلوين حياتنا وتجددها كما تتجدد الفصول، ليست لدينا الجبال لكي نتحدّث عن رغبتها العارمة في الصعود إلى السماء، لم يكن لدينا غير البحر الذي نغسل فيه طفولتنا المشردة، وإن كنت تريدين مني بعض المشاهد التي لا زالت عالقة في ذاكرتي منذ الطفولة، فهو مشهد وقوفي على الساحل بمواجهة البحر وأسأله ماذا وراء الأفق، هل هناك طفلٌ في مثل عمري في الجهة الأخرى من البحر، يشبهني ويسأل نفس الأسئلة؟ ومشهد آخر وهو تفسيراتي الخاصة بي عن سبب الأمطار حيث كنت أرى أن المطر يحدث لأن الملائكة يقومون بالاستحمام وما الرعد إلا بسبب استخدامهم لأواني الماء الحارة (في شتاءات تلك الفترة لم يكن عندنا غير عملية تسخين الماء في الأواني) ومشهد ثالث هو السباحة في البحر وصيد الأسماك عن طريق الزراقة (نضع قماشاً خفيفاً أبيض مثقوباً من الوسط على إناء معدني ونرشه ببعض الطحين) نضعه في منطقة قريبة من الساحل وننتظر دخول الأسماك ثم نهجم واضعين إحدى اليدين على ثقب القماش·
المهم عندي في المرحلة الطفولية أنني كنت أحلم كثيراً في أن أصبح إنساناً يساهم في تغيير حياة الناس إلى الأفضل· أحلم أن أقتل الفقر، أحلم أن أرى الحدائق منتشرة في كل مكان من بلادي، أحلم أن أغني وأضحك وأرقص في الشوارع دون رقيب أو حسيب، للآن لم يحدث هذا·
حين تتحدث عن تجربتك في الشعر العامي نلاحظ أنك شكلت منطلق تجربة بحرينية حديثة بكل مقوماتها، فكيف ترى علاقة تجربتك بمن سبقوك من الشعراء؟
كما قلت سابقاً: إنني في البداية لم أهتم بالشعر العامي إلا بعد أن تعرفت عن كثب إلى تجربة الشاعر علي عبدا لله خليفة، خاصة في تجربته الرائعة عطش النخيل فمثّلت في تصوري نقلة نوعية في مضمون الموال·· وتعرفت إلى تجارب مهمة في الشعر خاصة تجربة الشاعر العراقي الكبير مظفر النواب، وتجربة أبو قاطع، من هنا فقد بدأت بكتابة قصيدة التفعيلة بالشكل العامي واضعاً أمامي أن القصيدة العامية، مهما حاولت التجديد في شكلها، إلا أنها تبقى محدودة، بسبب كونها لهجة لمنطقة معينة، لذلك كنت أرى ومازلت: أن القصيدة العامية تكون في أجمل حالاتها عندما تلحن وتغنى، فالقصيدة العامية قصيدة شفاهية تعتمد على القول أكثر من الكتابة، من هذه الزاوية فأنا أتمتع بالإصغاء إلى القصيدة أكثر من قراءتها، أتمتع في أن أسمعها من قائلها أو من يحفظها أو من يؤديها بعذوبة لا تفقد الكلمة معناها·
تأثير القصص واضح على قصائدك العامية، فقد جعل لها مساقا مختلفا، فهل تعي هذا التأثير أثناء إنجاز النص، أم أنه يأتي تلقائيا عفويا؟
تأثير القصص على تجربتي مسألة لم أفكر فيها من قبل، ربما تأتي بصورة عفوية وتلقائية، هذه مسألة من الممكن أن يتعرف إليها الناقد أو المتابع لهذه التجربة·
تنجز قصيدة النثر التي لا تتكئ على بناء أو قالب تقليدي، فكيف تصوغ في ظل هذا الفن الإبداعي النثر قصيدة وكيف تخلق صوراً جديدة؟
عملياً أنا لا أكتب قصيدة النثر، بقدر ما أستخدم شكل قصيدة النثر في قصيدة التفعيلة، قصيدة النثر في تصوري من أصعب الأشكال أو الأنماط الشعرية وتحتاج لموهبة خاصة جدا لا يملكها إلا النادرون في العالم، بالضبط مثل موهبة كتابة القصة القصيرة، فأنت لا تسمعين إلا عن عدد قليل جدا من كتاب القصة القصيرة في العالم، رغم وجود آلاف الكتّاب الذين يقومون بنتاجها يوميا، كتّاب قصيدة النثر هم نادرون أيضا،حاولت أن أكتبها، لكنني لم أجد نفسي فيها، ربما أنشر بعض تجاربي في المستقبل·
أصداف، بر وبحر، سواحل صيف، حوار شمس الروح، لولو ومحار بعض دواوينك باللهجة البحرينية، يلاحظ القارئ أنها تنحو إلى المواويل والطابع الغنائي في معظما؟
في الواقع أنني أرى أن القصيدة العامية، كما ذكرت في السابق، هي قصيدة شفاهية، صوتية، أي تعتمد في انطلاقها من شفة الشاعر إلى إذن المتلقي، لاحظوا أنني لا أقول القارئ، لأن القصيدة العامية قول وتلقّي، لا كتابة وقارئ، كحال القصيدة العربية الكلاسيكية الشفاهية، من هنا نجد أنني أهتم كثيراً بضرورة وجود الروح الغنائية والإيقاع في الحرف والكلمة والجملة·· كل هذا من أجل أن تصل القصيدة إلى المتلقي بسلاسة·
ترتدي قصيدتك ثوب الفن الغنائي، سواء عبر القصيدة أو المسرحية الغنائية· لعلك ترى في الأغنية فضاء أرحب للتواصل مع المتلقي؟
في الواقع الذي نعيشه ما زالت الأغنية أكثر رحابة، خاصة إذا لحنت الأغنية بشكل يخدم روح الكلمة ويقوم بأدائها صوت عذب، يوصل المعنى الذي يريده الكاتب إلى المتلقي· لكن هناك من التجارب الشعرية التي لا تحتاج إلى عمل الملحن والمطرب، إذا كان الشاعر قادرا على إيصال قصائده إلى المستمع عبر شريط الكاسيت، خاصة إن كان يحمل موهبة أخرى تضاف إلى موهبة الشعر وهي موهبة الإلقاء·
دونما تحيز من قبلنا نحو شعرك العامي، لكن ألا ترى أن حضوره أكثر فاعلية في أوساط المتلقين، من دواوين شعرك الفصحى مثل الرعد في مواسم القحط، نخلة القلب، رؤيا الفتوح، مشاغل النورس الصغير؟
حضور الشعر العامي أكثر حظوة من الشعر الفصيح بسبب سهولته من جهة وتلحينه من جهة أخرى، بعض التجارب الشعرية لشعراء كبار ما كان لها أن تصل إلى ما وصلت إليه لولا تلحنيها وغناؤها، وكمثل على ذلك رباعيات الخيام التي غنتها الفنانة الكبيرة الراحلة أم كلثوم وهناك الكثير من التجارب الشعرية التي تحوّلت إلى أغانٍ وصلت إلى المتلقين بسلاسة أكثر من كونها قصائد في دواوين، ربما لم يتعرف إليها الكثيرون إلا عبر الغناء·
في تصوري أن اللحن والأداء، بالإضافة إلى التلفزيون يساهمون في نقل القصيدة من الجمود في الورق إلى الحركة في قلب وذهن المتلقي·
ترجمت قصائدك إلى الفرنسية، الإنجليزية، الألمانية، البلغارية، الروسية، لماذا لم تفعل مع دواوينك العامية؟ ألا تستحق تلك القصائد أن تتجه نحو أفق عالمي؟
في الواقع ليست لي علاقة مع المترجمين إلا فيما ندر، وكل القصائد المترجمة إلى لغات أخرى هي اختيارات المترجمين لهذه القصائد، دون أي تدخل مني في الاختيار، للعلم فقط، بعض ترجمات قصائدي سمعت عنها ولكنني حتى الآن لم أرها·
في عام 1991 أصدرت واعرباه ولأنه يطيب لك أن تعرج إلى الجانب الوطني، نسألك ما الذي يمكن أن تضيفه إلى قصائد واعرباه بعد مرور 15 عاما؟
اعتبرت تجربة واعرباه صرخة احتجاج على الواقع المتردي الذي يعيشه مجتمعنا العربي، بعد اجتياح قوات النظام العراقي السابق واحتلالها دولة الكويت· هذه الصرخة عبرت حينها عن رغبة إنسان حر في الوقوف ضد هذا التردي· ورغم اليأس الذي عاشه الكويتيون ورعبهم من الشتات في عواصم العالم، رأيت في خيالي تحرر الكويت وكنت مقتنعا أكثر من الكويتيين بعودتهم وانتهاء النظام السابق إلى غير رجعة، وبالفعل انتهى ذاك النظام، ولكن السؤال الذي يمكن أن يطرح نفسه بقوة: هل انتهى التردي العربي· هل انتهت صرخة واعرباه ونحن نرى ما يجري أمامنا في العراق وفي فلسطين وفي كثير من الدول العربية والإسلامية ودول العالم الثالث·
النقطة الأخرى أن الكثير من القصائد التي احتوت عليها مجموعة واعرباه مفتوحة على المجهول ومعتمدة على روح المثل والحكمة، هل تنتهي الأمثال من شفاه الناس؟ إضافة إلى ذلك فروح القصيدة إن كانت قادرة على اختراق الزمان والمكان فإنها سوف تعيش وإن لم تكن كذلك فلها مكانها من متحف التاريخ الطبيعي أو المكان الذي تليق به ويليق بها، أعني التراب·
أعمالك المسرحية الشعرية تشكل مرجعا للفن في البحرين، والملاحظ أنه بين عمل مسرحي غنائي وآخر تتفاوت لغة مخاطبتك الأطفال في قصائدك، فأيهما يجدي أكثر: المباشر أم الرمزي؟
ليست كل كتاباتي المسرحية الشعرية للأطفال، فهناك مسرحيات عذارى - البر هامة - من الذي قتل الرمة - زرقاء اليمامة - أيام الفردوسي ومسرحيات شعرية أخرى للكبار، لكن السؤال الآن: أين هو المخرج الذي يمكن أن يتصدى لمثل هذا الأعمال المسرحية البعيدة عن إنتاج السوق؟ بل أين هي المؤسسة التي تغامر بإنتاج أعمال تحاول أن تطرح رؤيا مغايرة لما هو سائد؟
إذا كان الشعراء الشباب قوة لاختراق التجارب السابقة أو تسجيل حضورها بشكل فاعل، لماذا لم يتم لهم ذلك في البحرين؟
تذكرون ربما إنه في نهاية الستينات طرحت موضوعة الأدباء الشباب في مصر ورغبتهم الصادقة والحارقة في الخروج من معطف الأدباء العمالقة أو الرواد، وكي يتكون جيل يخترق الجيل السابق لابد من وجود أسباب ذاتية وموضوعية، الأسباب الموضوعية قد نراها في الموقف العام من الحياة على جميع المستويات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والنفسية التي يمر بها المجتمع، فالظروف كما تعرفين قد تغيرت، فالشارع في نهاية الستينات كان شارعا يسارياً أو ليبرالياً، أما الآن فالشارع قد تحول إلى شارع يميني من جهة وطائفي من جهة أخرى، كيف يمكن أن يتحدث عن اختراق الواقع من يحمل عقلية جامدة ؟ كيف يمكن لجماعة ما أن تفلت من قيود جماعة أخرى مرتبطة بقيود الطائفية؟ كما تعرفون بدأنا شعارنا المفتوح على الكلمة من أجل الإنسان أي الأفق الذي تحركنا فيه كان أفقاً مفتوحاً على التجارب الإنسانية، بحيث أن ما يحدث في أبعد كوخ في العالم من الممكن أن يحرّك في داخلي طاقة الرفض أو القبول لهذا الأمر··الآن لا شيء يحدث من هذا، الجميع يريد أن يكتب عملا حداثيا وداخله عشرات القيود التي لا يريد أن يبتعد عنها·· الكتابة قبل أن تكون حبرا على ورق هي موقف من الطبيعة والمجتمع والإنسان، هي ممارسة روحية يومية، هي انفتاح كامل على الإنسان، مهما اختلفت الآراء وتعارضت المصالح، هي الحب دون شروط، هي الحلم بالتكامل الإنساني والانسجام الكوني·· الأيديولوجيا لا تحقق ذلك، الطائفة تتصوّر أنها البؤرة للسيطرة على العالم الواقعي أو المتخيّل·
الشرقاوي الحائز على عدة جوائز تقديرية وأوسمة، آخرها على وسام الكفاءة من الدرجة الأولى في البحرين قبل عامين، أي وسام تنتظر بعد؟
أنتظر إنهاء المشاريع التي أشتغل عليها، فهي الوسام الذي يحلم أن يحققه الشاعر، أي شاعر بين ظلمتين، ظلمة الرحم وظلمة القبر، أنتظر أن أرى حصاد الزرع الذي ما زلت أرويه بدمي ودموعي، يجنيه من يأتي بعدي ويزرعه للأجيال القادمة· أنتظر أن أرى بذرة الحب التي أعمل على إرسالها يوميا إلى العالم حقولا يانعة بالسعادة هذا هو الوسام الذي أنتظره·


صحيفة الاتحاد

اقرا اللقاء
 
أعلى