السويدي لخالد الشيخ : دعنا نعمل عملا نؤمن به ونتركه للزمان

رد: السويدي لخالد الشيخ : دعنا لنعمل عملا نؤمن به ونتركه للز

حوار للشاعرة نجاح المساعيد مع الشاعر الكبير محمد أحمد السويدي بصحيفة الاتحاد العدد 10763 الخميس 11 ذو القعدة 1425 هـ / 23 - 12 - 2004 م ملحق دنيا صفحة دانات ص 5

ما بين شكسبير وجمال الدين الرومي وما بين الكوميديا الإلهية والتحولات يقف ذلك الخارج في كهف أفلاطون وقفة المتأمل في المشهد الثقافي العربي .. وكله أمل في الزمن القادم ..وفي وقفته هذه يتذكر بعض الأشعار التي يحفظها عن ظهر قلب باللغة الفارسية وتسرقه فرنسا وكفاح البروليتاريين ضد الطبقة البرحوازية فيحمد الله أنه في بلد تساوت فيه الأوضاع وينعم أهله برفاه العيش ويسعون بجد نحو معين الثقافة فيبتسم سعادة الأمين العام للمجمع الثقافي لكل قرائه في هذا الحوار :


أصدرت في الثمانينات ثلاثة دواوين منها أحلام وردية وأيضاً أساور في ذراع القمر وعلى الرغم من الحس العاطفي الذي تميزت به الدواوين، برز حس إنساني عالٍ فيها، لعلك تنهل حتى في القصائد العاطفية من منبع إنساني؟
من الديوانين موانئ السحر و رفيق الليل كنت قد بدأت بتشكيل قاموسي الشعري،حيث إنني لم أكن حينها صاحب القرار لا في اختيار اللغة أو الموضوع الذي يدور حوله النص، ربما في الديوان الأول حاولت أن أكون الصدى فكنت الصدى لما أسمعه من حولي ولما أشاهده من ظروف، ولكن منذ ديواني الثالث بدأ يأخذني طريق ما لمكان ما كنت أجهل فيه الموضوع واللغة، ومنذ ذلك الوقت بدأت التفكير بتلك اللغة المكتوبة وعلمت أنها ليست من الشعر النبطي ولا الشعبي وليست لغة فصحى، فاكتشفت آنذاك أو بالأحرى اكتشفتني اللغة المحكية وهي التي تقترب من الفصحى ولكنها ليست بفصحى وتستعير من النبطية سرعتها لدرجة أنني أسميتها غزالة سريعة، وعندما شبهت اللغة العربية بالناقة واجهت انتقاداً، ولكن الناقة، لا أقصد من خلالها التقليل من هذا الكائن بل العكس صحيح، فهي أكثر صبراً وجلداً واستعداداً للمسافات الطويلة دون توقف، حتى أن البيروني حبذها على لغته الأم الفارسية فقال:
إنها لغة العلوم والفلسفة والتاريخ وكتب بها وأقول عن المحكية إنها غزالة سريعة لأنها توصل المعنى بسرعة الغزالة نفسها، وحينما تقترب من المواد التي ذكرها البيروني تصاب باللهاث، فهي لغة غناء وغزل·
؟ تجلى في دقاقة الطار وديوان رفيق الليل اللذين طرحتهما في التسعينات ميلك بالقصيدة المكتوبة باللهجة المحلية نحو اللغة العربية الفصحى، هل يمكننا اعتبار التحول في لغة قصيدتك مرده إلى استفادتكم من المخزون القرائي الثقافي لديك، أو أنك تنحو بقصيدتك إلى العالم العربي ليفهمها ويتذوقها؟
؟؟ عندما أريد كتابة قصيدة باللهجة العامية ليست عندي صعوبة في ذلك وخاصة قصيدة المناسبات وفي التجارب التي أعتز بها وأرى أنها حملتني لتجربة جديدة في الشعر أجد أن اللغة المحكية أوجدتني ولم أوجدها، ولا أستطيع أن أكتب متى شئت إنما أكتب ما أُملِي علي، ففي ديوان دقاقة الطار التجربة الأكثر نضجاً، أجد أن هذه اللغة أخذت مداها أكثر وأكثر، ومنذ ذلك التاريخ وجدت نصوصاً جديدة حملت لأول مرة الأبعاد التي كنت أسعى إليها، وهي هذا العالم العربي، وحينما تتسع مدارك الإنسان يكون أكثر إقلالاً وأكثر جودة برأيي، وعلى حد تعبير الصوفيين إذا اتسعت الرؤية ضاقت العبارة ·

؟ إذاً، أنت لا تكتب بهدف الانتشار؟
؟؟ هنالك نصوص محبوسة وجريئة على مجتمعات لا تقبل بكل ما يقال أو يكتب وحين كنت أكتب هذه النصوص كنت أشعر أنني ألغي الرقيب بذاتي ليتحرر النص من هذه السلطة الموجودة فينا، وكنت أعلم أن هذا النص لن يجد طريقه للنشر، والتجربة الثقافية المحدودة هذه علمتني ألا يكون صوتي ونشاطي تجربة لما يريده الجمهور أو ما يطلبه المستمعون، وإنما كانت محاولة رسم صورة لاحت كومضة وأنا لا أزال أتسنح الفرص في اختيار هذه الصورة ورسمها بالكلمات·
؟ ألا تصيبك الحسرة على نص جميل جريء كتبته ولم يقرأه إلاّ محمد السويدي؟
؟؟ الحسرة هي على مجتمع فيه الكثير من المحرمات وفيه الكثير من القهر والخيبة، لأننا أساساً جيل مهزوم وعندما تنكسر حضارة ما تبدأ بالتفتيش عن أبطال وأساطير ولا تقبل من يصارحها بالحقيقة·· فالمشكلة أكبر من مشكلة النص المحبوس وإيماني بأن أي شيء يبقى للزمان الذي هو أهم بالنسبة لي من النهر الجيني ·· البشر الذين يأتون ليمضوا· لذا كنت أقول كم موسيقاراً أو فناناً أو شاعراً عُظِّم من قبل الجماهير وسرعان ما غيبه التاريخ وفي أحيان يغيّب في زمنه·
؟ ذكرتَ أتركه للزمان أو أكتبُ للزمان أكثر من مرة وتقول الآن إن هنالك من عُظِّم من قبل الجمهور وغيّب من التاريخ أو الزمان، فهل هذا يعني أنك تسعى من خلال كتاباتك التي على حد قولك إنك تتركها للزمان لأن يؤكدك التاريخ ويخلدك ولا تكون من المغيبين؟
؟؟ كتاباتي هي خربشات ومحاولة لتحقيق هدف معين فبدر شاكر السياب لآخر لحظات عمره يتساءل: هل ما أكتبه شعر؟! فالشاعر هو هذا القلِق الدائم على حد قول المتنبي: على قلق كأن الريح تحتي، أوجهها جنوباً أو شمالا·· فحالة القلق هذه هي حالة الشاعر والشعر الخالص·
؟ تكلمت عن الجرأة وعن مجتمع المحرّمات، فأين هي حدود الجرأة بالنسبة إليك؟
؟؟ نحن نتذكر أن الشاعر نزار قباني، شاعر لم يُصلَّ عليه في المسجد حينما مات من منطلق أن قصائده فيها الجرأة بالرغم من أن ما يُنشر في القنوات الفضائية فيه جرأة أضعاف جرأة نزار·· وشاعر مثل مظفر النواب كتبه ممنوعة من التداول مثل وتريات ليلية وكاتب صوفي مثل محيي الدين ابن عربي يمنع كتابه في بعض الأقطار العربية·· وعندما أشير إلى كلمة جرأة فأنا لدي جرأة بالمعنى المطلق وليس المحدود·· وبالمناسبة سر عظمة أوروبا وأميركا ودول شرق آسيا هي في الحرية، فالحرية كانت مطلباً منذ أيام دانتي عام 1350 وقد نفي من بلدته فلورنسا مدة 15 عاماً وصدر عفو كي يعود شريطة أن يعتذر، لكنه رفض العودة لتقديم الاعتذار على حد قوله لمن يستحق العقاب والحرية التي جنتها دول متقدمة كانت نتيجة تضحيات عديدة·
؟ الجرأة التي في قصائدك والثقافة الظاهرة، ربما كانت الدافع وراء تعاونك مع فنانين ملتزمين يحظون بمكانة متميزة في الساحة الفنية مثل مارسيل خليفة وخالد الشيخ، وكأنك بذلك كنت تبحث عن أذن موسيقية ومستمع نخبوي يقرأ قصائدك عبر صوتيهما؟
؟؟
كلا·· وإنما كانت نتاج علاقة شخصية وفكرية مع مثل هذه الأسماء فهم يقتربون من مستوى اللغة التي أتحدث فيها·· وليست لدي عناية بالجماهير العريضة لأنها مغيّبة تسمع الغث والجيد، فلا الصوت بات يعبّر عن أصالة ولا اللحن ولا الكلمات، فنسبة 95% من المطربين لا يقرأون النوتة الموسيقية التي يقرأها طفل في السابعة من عمره· وأتذكر قولاً لـ محمد عبدالوهاب (كان هناك أستاذ كبير وكنا نحن الفنانين نرتعب حين يحضر والأستاذ الكبير هذا مات، فسأله المذيع مين الأستاذ فقال له: الجمهور) ومرة قال لي خالد الشيخ محمد·· هذا العمل ليس للسوق فقلت له: أنا لا أعمل للسوق، فدعنا نعمل عملاً يمثلنا نؤمن به ونتركه للزمان ·

؟ إلى هذا الحد مصاب بخيبة من الزمن الحاضر وتتأمل بالزمن القادم خيراً بحيث إنك تترك كل ما تقوم به للزمان؟
؟؟ إنني أستحضر العصور منذ أول مدنية أسسها الإنسان وهي العراق إلى يومنا الحاضر وأرى كيف لهذا الزمن سلطته في إثبات مبدعين وإلغاء أشباحهم ومثال بسيط: في زمن موزارت كان هناك عشرات الموسيقيين من بينهم موسيقي سالبيري كان موسيقار البلاط ولا أحد يعلم عن هذا الموسيقار شيئاً لكنهم يعرفون موزارت·
؟ الحديث عن المجمع الثقافي يقودنا إلى أهم تظاهراته معرض كتاب أبوظبي فكيف تم التنسيق بينكم وبين الرقابة على الكتب؟ ألا يتعارض عملها مع رؤيتكم ورأيكم؟
؟؟ سمو الشيخ عبدالله بن زايد كان سنداً كبيراً في تحرير الكتاب من سلطة الرقيب، ومع هذا، ففي المعرض كانت هناك فرقة تهتم برقابة الكتب، بخاصة الكتب ذات الطابع السلبي مثل كتب الشعوذة وغيرها·· والمعرض اقتصر على دور النشر المشاركة ولم يفتح الباب لتتحول هذه الظاهرة إلى سوق· ونحن ندعو الدور الجادة 300 دار ونحاول أن نختار العناوين الحديثة التي صدرت في السنوات الأخيرة·
؟ يعتبر ارتياد الآفاق جزءاً من مشروع معرفي طموح وقد قلتَ في كلمة تمهيدية لمقدمة الكتاب إن الكتاب جزء من سلسلة قد تبلغ المائة كتاب ماذا عن هذا المشروع؟ وأين وصلتم به؟
؟؟ هذا مشروع خاص، وبدأت التفكير في إصدار أول سلسلة منه في 11 سبتمبر الماضي، وكأننا كنا بحاجة لأن نعرف أنفسنا ونعرّف أنفسنا إلى الآخرين، وهذا الكتاب أصبح مجموعة سلسلات، آخرها سلسلة الحج إلى الأماكن المقدسة والتي أهديتها إلى روح فقيد الوطن الوالد زايد رحمه الله ·
؟ من جهة أخرى فإن سعادة محمد أحمد خليفة السويدي هو عضو مجلس الشرف بنادي العين، فهل هي مجرد عضوية من باب الوجاهة أو البريستيج أم هي هواية جدية بالنشاط الرياضي؟
؟؟ اهتمامي بالرياضة موجود وإننا نحاول تفعيل أنديتنا لأن تشارك في التجربة الثقافية في الدولة لأنها تحمل شريحة مهمة وهي الشباب ومن هذا المنطلق أتمنى أن تكون عضويتي إسهاماً في تفعيل هذه المنابر·
 
أعلى