حين رسمت مواويل علي عبدالله خليفة في عطش النخيل

حين رسمت مواويل علي‮ ‬عبد الله خليفة في‮ ‬عطش النخيل

بقلم‮: ‬ناصر اليوسف‭*‬

في‮ ‬المحرق ولدت العام‮ ‬‭,‬1940‮ ‬وعندما أذكر المحرق تتداعى إلى ذاكرتي‮ ‬نبضات من الذكريات‮.. ‬أتذكر بيت البقشى الذي‮ ‬ولدت فيه بحوشه الواسع ودهليزه الطويل والباب الكبير‮ (‬أبوخوخه‮) ‬وحجرة على اليسار من الداخل‮ ‬يوجد فيها صندوق كبير تبرق مساميره المذهبة وهو موضوع على أربع أسطوانات خشبية محزوزة في‮ ‬الوسط‮. ‬وأتذكر أن تلك الأسطوانات كانت ملونة بخطوط عريضة،‮ ‬الأصفر والأخضر في‮ ‬الوسط ثم الأصفر والأحمر مرة أخرى‮.. ‬وإلى جانب ذلك الصندوق سلة كبيرة من الخيزران المجدول‮ ‬يتكرر فيه الخوص الملون بالأحمر والأخضر‮.. ‬هي‮ ‬ذكريات بعيدة‮.. ‬كل ما بقي‮ ‬منها في‮ ‬ذاكرتي‮ ‬الألوان والزخارف‮.. ‬وأتذكر عندما انتقلنا إلى المنامة‮.. ‬كنت في‮ ‬الثامنة من عمري‮.. ‬أتذكر البيت الذي‮ ‬سكناه في‮ ‬المنامة‮.. ‬أتذكر منه الدهليز والجليب وحجرة السعف‮ (‬حجرة كان‮ ‬يجمع فيها السعف لاستعماله لإيقاد النار للطبخ‮).. ‬أتذكر الحمام‮.. ‬ذلك الطائر الذي‮ ‬كنت ولا أزال أحبه‮.. ‬كنت قد أهديت زوجا منه فتكاثر‮.. ‬وأتذكر صغاره‮.. ‬ولقد رسمت الحمام كثيرا‮.. ‬كنت أرسمه في‮ ‬الكتب الدراسية وفي‮ ‬دفاتر الرسم وعلى سبورة الصف وعلى جدران بيوت الحي‮ ‬بالفحم‮.‬
تلك ذكريات أصبحت بعيدة الآن بعد أن توالت عليها السنون ولكن مازال بعضها‮ ‬يستعصي‮ ‬على النسيان‮.. ‬منها ذكريات الانبهار تتصدر القاعة لوحة المسرح للأستاذ سلمان الصباغ‮ ‬ولوحة الموناليزا للأستاذ كريم العريض وغيرها من لوحات لا أتذكرها‮.. ‬كنت أقف مبهوراً‮ ‬أمامها وأتمنى أن أرسم مثلها‮.‬
وقد كان للأستاذ كريم العريض فضل لا‮ ‬يمكن أن أنساه فقد اختارني‮ ‬في‮ ‬جمعية الرسم بالمدرسة وكنت في‮ ‬الصف الرابع الابتدائي‮ ‬وكان‮ ‬يحثنا دائما على العمل والإنتاج،‮ ‬ويعلق ما ننتجه في‮ ‬الصف وقاعة المدرسة مما كان له أثر كبير في‮ ‬إذكاء رغبتنا وتنمية هوايتنا للرسم‮.‬
وفي‮ ‬المدرسة الثانوية كان هناك أستاذ آخر كان له فضل كبير علينا هو الأستاذ أحمد السني‮ ‬الذي‮ ‬نحتفظ له بأجل التقدير لما قدمه لنا من مساعدات مكنتنا من تلمس طريقنا في‮ ‬الأداء الفني‮.‬
ولقد كنت أشارك في‮ ‬جميع المعارض المدرسية في‮ ‬المدرسة الابتدائية والثانوية‮. ‬ولكن أول معرض‮ ‬غير مدرسي‮ ‬شاركت فيه كان العام‮ ‬‭,‬1957‮ ‬في‮ ‬المعرض الزراعي‮ ‬الذي‮ ‬أقيم في‮ ‬حديقة الأندلس وكانت مشاركتي‮ ‬فيه بلوحة‮ ''‬سهرة شتوية‮'' ‬تمثل عائلة حول المنقلة التي‮ ‬يتوهج فيها الجمر وحوله‮ ‬غوري‮ ‬الشاي‮ ‬ودلة القهوة‮.‬
وبعد أن تخرجت من قسم المعلمين عينت مدرساً‮ ‬في‮ ‬مدرسة السلمانية الابتدائية وكان‮ ‬يدرس فيها أيضا الفنان القدير عزيز زباري،‮ ‬وقد استفدت منه كثيراً،‮ ‬وهو بدوره لم‮ ‬يكن‮ ‬يبخل علي‮ ‬بأي‮ ‬معلومات فنية‮.. ‬ثم انضممت إلى أسرة هواة الفن‮.. ‬وبدأت المسيرة الحقيقية في‮ ‬حياتي‮ ‬الفنية‮.. ‬كانت لقاءاتنا‮ ‬يومية تقريباً‮ ‬في‮ ‬الأسرة‮.. ‬كريم العريض‮.. ‬كريم البوسطه‮.. ‬راشد سوار‮.. ‬راشد الغريفي‮.. ‬عزيز زباري‮ ‬تلك اللقاءات كان لها أثر كبير في‮ ‬تكويننا الفني‮.. ‬من خلال النقاش الذي‮ ‬كان‮ ‬يدور بيننا‮.. ‬وكانت تغذي‮ ‬ذلك النقاش المقالات الفنية التي‮ ‬كنا نقرأها في‮ ‬المجلات والصحف الصادرة‮ ‬في‮ ‬تلك الأيام مثل الفكر المعاصر والمجلة والفنون والمعرفة السورية وغيرها‮.. ‬وإلى جانب تلك اللقاءات كنا نخرج إلى المدن والقرى في‮ ‬كثير من أيام الجمع والعطلات الرسمية لنرسم من الطبيعة،‮ ‬وقد رسمنا الكثير‮.. ‬في‮ ‬المقاهي‮ ‬والحارات الشعبية والبساتين والبحرين والسفن‮.. ‬وأقمنا معارض عدة في‮ ‬المعهد الثقافي‮ ‬البريطاني‮ ‬ونادي‮ ‬بابكو والنوادي‮ ‬الأهلية من تلك الرسومات والاسكتشات التي‮ ‬كنا نرسمها في‮ ‬تجوالنا‮.. ‬وفي‮ ‬العام‮ ‬‭,‬1967‮ ‬أقامت شركة كريراس كرافن‮ ''‬أ‮'' ‬مسابقة لاختيار أعمال من الدول العربية وكانت البحرين إحداها وكنت سعيدا أن تكون إحدى لوحاتي‮ ‬ضمن المجموعة التي‮ ‬اختيرت من البحرين وقد طاف المعرض في‮ ‬سبع دول عربية وثلاث دول أوروبية‮.‬
وأذكر أنه عند تجوالنا لفتت نظري‮ ‬الزخارف الجصية الشعبية في‮ ‬واجهات بيوت قرية الدراز وبعض بيوت المحرق والمنامة فكنت أسجل كل نوع من تلك الزخارف في‮ ‬كراستي‮.. ‬وكنت مهتما بحكايات الغواصين فاختمرت لدي‮ ‬فكرة أن أرسم بعض تلك الحكايات وبدأت أعد الاستكشات والرسومات التخطيطية لها وأجمع القصص التي‮ ‬تحكي‮ ‬عن الغوص من كبار السن‮.. ‬وصدر ديوان الشاعر الكويتي‮ ‬محمد الفايز‮ ''‬النور من الداخل‮'' ‬وقرأته أحسست أنه‮ ‬يجسد ما كنت أبحث عنه من معان وبدأت أرسم لوحاتي‮ ‬السبع عن الغوص وكانت من الحجم الكبير ومرسومة بالزيت وعندما انتهيت عرضتها في‮ ‬معرض أسرة فناني‮ ‬البحرين في‮ ‬الكويت العام‮ ‬‭,‬1969‮ ‬وكانت فرحتي‮ ‬كبيرة وأنا أجد الصدى الطيب للوحاتي‮ ‬تلك ولقد اختارت مجلة العربي‮ ‬الكويتية إحدى لوحاتي‮ ‬وهي‮ ''‬عرس الغواص‮'' ‬ونشرتها في‮ ‬غلافها الداخلي‮ ‬بالألوان في‮ ‬العدد‮ ‬11‮ ‬الصادر في‮ ‬ديسمبر‮ ‬‭,‬1969‮ ‬وبعد عودتي‮ ‬إلى البحرين بفترة طلب مني‮ ‬الصديق الشاعر علي‮ ‬عبد الله خليفة أن أرسم مواويله الشعبية التي‮ ‬كان‮ ‬يعدها لتصدر في‮ ‬ديوانه‮.. ‬وفعلاً‮ ‬بدأت العمل فيها‮.. ‬وطبع ديوان‮ ''‬عطش النخيل‮'' ‬للشاعر علي‮ ‬عبد الله خليفة محتوياً‮ ‬على رسوماتي‮.. ‬ولقد أفادتني‮ ‬تلك الرسومات وعملت منها لوحات زيتية عرضتها في‮ ‬معرض أسرة فناني‮ ‬البحرين في‮ ‬نادي‮ ‬النسور العام‮ ‬‭.‬1970
وعندما بدأت وزارة العمل والشؤون الاجتماعية إقامة المعرض التشكيل السنوي‮ ‬لفناني‮ ‬البحرين،‮ ‬وأكملت مسيرة ذلك المعرض وزارة الإعلام كانت حصيلتي‮ ‬منه ما‮ ‬يلي‮:‬
1‮)‬ميدالية العشرة الأوائل في‮ ‬المعرض الأول‮ ‬‭.‬1972
2‮)‬شهادة تقديرية في‮ ‬المعرض السادس‮ ‬‭.‬1977
3‮)‬شهادة تقديرية في‮ ‬المعرض السابع‮ ‬‭.‬1978
4‮)‬جائزة دلمون الأولى في‮ ‬المعرض الثامن‮ ‬‭.‬1979
5‮)‬جائزة دلمون الأولى في‮ ‬المعرض التاسع‮ ‬‭.‬1980
6‮)‬ميدالية من المعرض العاشر‮ ‬‭.‬1981
وكنت عندما تخصصت أسرة فناني‮ ‬البحرين في‮ ‬المسرح الموسيقي‮ ‬قد انضممت إلى جمعية الفن المعاصر وبدأت أشترك في‮ ‬معارضها وساهمت في‮ ‬النشاطات والفعاليات الآتية‮:‬
1‮-‬مثلت البحرين في‮ ‬اجتماع الأمانة العامة لاتحاد الفنانين التشكيليين العرب في‮ ‬الإسكندرية العام‮ ‬1976‮ ‬مع الفنانين اسحق خنجي‮ ‬وأحمد العريفي‮.‬
2‮-‬شاركت في‮ ‬تجمع أصيلة الثقافي‮ ‬والفني‮ ‬الذي‮ ‬أقيم في‮ ‬مدينة أصيلة في‮ ‬المغرب العام‮ ‬‭,‬1980‮ ‬مع كريم العريض وإبراهيم بوسعد وكامل بركات واسحق خنجي‮.‬
3‮-‬شاركت مع وفد البحرين في‮ ‬معرض الخليج للفنون التشكيلية الأول بدولة قطر العام‮ ‬‭.‬1980
4‮-‬قمت مع الإخوان كريم العريض وإبراهيم بوسعد وكامل بركات واسحق خنجي‮ ‬بزيارة إلى المتاحف المهمة في‮ ‬باريس ولندن وأمستردام‮.‬
5‮-‬كنت من ضمن الوفد الذي‮ ‬اختارته وزارة الإعلام الذي‮ ‬أقام معرضا تشكيليا لأول مرة في‮ ‬سنغافورة العام‮ ‬1981‮ ‬وكان الوفد برئاسة الدكتور محمد الخزاعي‮ ‬مدير إدارة الثقافة والفنون في‮ ‬وزارة الإعلام وعضوية كل من كريم العريض ويوسف قاسم وراشد الخليفة وناصر اليوسف‮.‬
6‮-‬كتبت عدداً‮ ‬من المقالات عن الفنون التشكيلية في‮ ‬الصحف والمجلات المحلية وشاركت في‮ ‬بعض الندوات الفنية‮.‬
؟ كتب الفنان ناصر اليوسف هذه الشهادة في‮ ‬منتصف الثمانينات في‮ ‬كتاب‮ ''‬رواد الحركة التشكيلية في‮ ‬البحرين‮'' ‬من إعداد عبد الكريم العريض وأحمد نشابه‮. ‬وقامت وزارة الإعلام بطبعاته من دون تحديد سنة الطبع‮.‬
 
أعلى