صحيفة الأيام البحرينية 10 يناير 2006
فسحة للتأمل ـ د. حسن مدن
أفكار عن واقعنا الثقافي - 2
المنجز الثقافي البحريني، في وضعه الراهن، هو حصيلة جهد دؤوب بذله المثقفون والمبدعون من كتاب وفنانين ومسرحيين وموسيقيين. وتحدثنا امس عن الدور المميز الذي ادته اسرة الادباء والكتاب التي عملت على مدار عقود في ظروف بالغة الصعوبة من المضايقة والحصار، بل وحتى القمع في صورته المباشرة، وإلى دور الاسرة علينا ايضا الاشارة إلى دور الحركة المسرحية، خاصة منها تلك ذات الافق الديمقراطي ممثلة في مسارحها المختلفة، ويضاف إلى ذلك دور الحركة التشكيلية التي برزت بوصفها احد المشاغل التشكيلية العربية البارزة.
ففي المحصلة فان الحيوية الثقافية التي طبعت المجتمع البحريني قدمت اسماء مرموقة على الصعيد العربي: في مجال الفكر لمع اسم الدكتور محمد جابر الانصاري وهو يؤسس لمشروع فكري عربي نال صدى واسعا. في الشعر برزت التجربة المميزة لقاسم حداد وزملاء آخرين له. في مجال المسرح والتشكيل كان الفنانون البحرينيون الذين يعانون من التهميش والاهمال في بلادهم يحصدون الجوائز في المهرجانات المسرحية وفي البيناليات الدولية، في الموسيقى كانت تجارب خالد الشيخ والافق المغاير لفرقة »اجراس« وسواها من التجارب تقدم وجها مضيئا آخر للبحرين في المهرجانات الموسيقية العربية.احدى مفارقات الواقع الثقافي في البحرين، كما عبرنا عن ذلك اكثر من مرة، تكمن في التناقض القائم بين ما تظهره الحركة الابداعية والثقافية الاتية من المجتمع واللصيقة بالافق الديمقراطي الواسع من حيوية وخصوبة وثراء، وبين التعاطي الرسمي مع الثقافة الذي اتسم على الدوام في النظر إلى الثقافة بمقدار كبير من الريبة والشك والخوف. هذه النظرة ستنعكس مباشرة في غياب الاهتمام الجدي بالشأن الثقافي، الذي يجب ان يتجلى في الانفاق على الثقافة بوصفها استثمارا في المستقبل، تماما كما نفعل مع التعليم مثلا. فبمقدار ما ان الدولة ملزمة بتأمين التعليم لابنائها بتشييد المدارس والكليات والمعاهد والجامعات والمختبرات، فانها مطالبة بان تؤمن لهؤلاء الابناء الخدمات الثقافية عبر تشييد البنية التحتية للعمل الثقافي من متاحف ومراكز ثقافية وصالات للعروض المسرحية وقاعات للعروض التشكيلية ومراسم وقاعات للتدريب المسرحي والموسيقي وسواها. أليس مخجلا بعد هذا العمر المديد للمسرح في البحرين، ان مسارح عريقة ومهمة مثل مسرح »اوال« او »الصواري« ما زالت تقيم عروضها وتدريباتها على مسارح متواضعة في المدارس الثانوية!.. واذا كان كثيرا على المؤسسة التعليمية في المملكة ان تؤسس معاهد للاعداد المسرحي والسينمائي والفنون الجميلة، فهل كثير عليها ان تبتعث المواهب في هذه المجالات لتأهيلها في المعاهد والكليات المتخصصة في البلدان العربية والاجنبية. لتقدم لنا الدولة احصاءات عن عدد مبتعثيها في مجالات المسرح والسينما والتشكيل والموسيقى في الوقت الراهن.
كنا نقول دائما ان الثقافة هي مثل الصناعة الثقيلة تحتاج إلى بنية اساسية قوية، وباستثناء متحف البحرين الوطني الذي شيد في زمن المرحوم طارق المؤيد وزير الاعلام الاسبق، وتميز، اي المتحف بمتانة وجودة تصميمه، فان مرفقا ثقافيا آخر بنفس الكفاءة لم يشيد حتى الان، باستثناء الصالة الثقافية التي جرى افتتاحها مؤخرا، واقيمت تحت ضغط الحاجة إلى استضافة مهرجان المسرح الخليجي التاسع بدرجة اساسية. للحديث تتمة.
فسحة للتأمل ـ د. حسن مدن
أفكار عن واقعنا الثقافي - 2
المنجز الثقافي البحريني، في وضعه الراهن، هو حصيلة جهد دؤوب بذله المثقفون والمبدعون من كتاب وفنانين ومسرحيين وموسيقيين. وتحدثنا امس عن الدور المميز الذي ادته اسرة الادباء والكتاب التي عملت على مدار عقود في ظروف بالغة الصعوبة من المضايقة والحصار، بل وحتى القمع في صورته المباشرة، وإلى دور الاسرة علينا ايضا الاشارة إلى دور الحركة المسرحية، خاصة منها تلك ذات الافق الديمقراطي ممثلة في مسارحها المختلفة، ويضاف إلى ذلك دور الحركة التشكيلية التي برزت بوصفها احد المشاغل التشكيلية العربية البارزة.
ففي المحصلة فان الحيوية الثقافية التي طبعت المجتمع البحريني قدمت اسماء مرموقة على الصعيد العربي: في مجال الفكر لمع اسم الدكتور محمد جابر الانصاري وهو يؤسس لمشروع فكري عربي نال صدى واسعا. في الشعر برزت التجربة المميزة لقاسم حداد وزملاء آخرين له. في مجال المسرح والتشكيل كان الفنانون البحرينيون الذين يعانون من التهميش والاهمال في بلادهم يحصدون الجوائز في المهرجانات المسرحية وفي البيناليات الدولية، في الموسيقى كانت تجارب خالد الشيخ والافق المغاير لفرقة »اجراس« وسواها من التجارب تقدم وجها مضيئا آخر للبحرين في المهرجانات الموسيقية العربية.احدى مفارقات الواقع الثقافي في البحرين، كما عبرنا عن ذلك اكثر من مرة، تكمن في التناقض القائم بين ما تظهره الحركة الابداعية والثقافية الاتية من المجتمع واللصيقة بالافق الديمقراطي الواسع من حيوية وخصوبة وثراء، وبين التعاطي الرسمي مع الثقافة الذي اتسم على الدوام في النظر إلى الثقافة بمقدار كبير من الريبة والشك والخوف. هذه النظرة ستنعكس مباشرة في غياب الاهتمام الجدي بالشأن الثقافي، الذي يجب ان يتجلى في الانفاق على الثقافة بوصفها استثمارا في المستقبل، تماما كما نفعل مع التعليم مثلا. فبمقدار ما ان الدولة ملزمة بتأمين التعليم لابنائها بتشييد المدارس والكليات والمعاهد والجامعات والمختبرات، فانها مطالبة بان تؤمن لهؤلاء الابناء الخدمات الثقافية عبر تشييد البنية التحتية للعمل الثقافي من متاحف ومراكز ثقافية وصالات للعروض المسرحية وقاعات للعروض التشكيلية ومراسم وقاعات للتدريب المسرحي والموسيقي وسواها. أليس مخجلا بعد هذا العمر المديد للمسرح في البحرين، ان مسارح عريقة ومهمة مثل مسرح »اوال« او »الصواري« ما زالت تقيم عروضها وتدريباتها على مسارح متواضعة في المدارس الثانوية!.. واذا كان كثيرا على المؤسسة التعليمية في المملكة ان تؤسس معاهد للاعداد المسرحي والسينمائي والفنون الجميلة، فهل كثير عليها ان تبتعث المواهب في هذه المجالات لتأهيلها في المعاهد والكليات المتخصصة في البلدان العربية والاجنبية. لتقدم لنا الدولة احصاءات عن عدد مبتعثيها في مجالات المسرح والسينما والتشكيل والموسيقى في الوقت الراهن.
كنا نقول دائما ان الثقافة هي مثل الصناعة الثقيلة تحتاج إلى بنية اساسية قوية، وباستثناء متحف البحرين الوطني الذي شيد في زمن المرحوم طارق المؤيد وزير الاعلام الاسبق، وتميز، اي المتحف بمتانة وجودة تصميمه، فان مرفقا ثقافيا آخر بنفس الكفاءة لم يشيد حتى الان، باستثناء الصالة الثقافية التي جرى افتتاحها مؤخرا، واقيمت تحت ضغط الحاجة إلى استضافة مهرجان المسرح الخليجي التاسع بدرجة اساسية. للحديث تتمة.