رأي طليس في لجان تحكيم برامج الهواة

وجوه

Active member
بعض أعضائها يعرف ما يقول والبعض الآخر يقول ما لا يعرف ... لجان التحكيم في برامج هواة الغناء كمن تُوَلَّى عليهم!
عبدالغني طليس الحياة - 05/08/07//

لقد تغيّر الزمن: أعمى من لا يعترف بذلك، وأصمّ من لا يسمع بذلك، وأخرس من لا يتكلّم بذلك. لقد تغير الزمن الفني من ضمن سلة كاملة من المتغيرات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية في العالم العربي. وإذا كان التغير في كل هذه النواحي الأساسية في حياة المجتمع في المنطقة قد جعل بعض الأفكار «السابقة» وأساليب التعبير عنها في خانة سقط المتاع أحياناً، فإن التغيير على الصعيد الفني لم يكن أقل سوءاً، فمجرد نظرة متأنية الى ذلك التراكم الغنائي والموسيقي المتواصل منذ سنوات عدة والذاهب عميقاً في البهتان، كافية لتقديم البراهين التي لا تُنازَع على ذلك، وليس هنا مجال القول أكثر. ذلك ان ما نصوّب عليه في هذه المقالة هو التغيّر القاتل الذي حصل في مستوى لجان التحكيم في البرامج الفنية الفضائية التي تُنجب نجوماً من... هواة غناء، فضلاً عن اللجان التي تتولى الحكم على النتاج الغنائي في بعض شركات الإنتاج العربية، هذا اذا وُجدت!
بعض أعضاء لجنة التحكيم في برنامج «ستار أكاديمي»


بداية، نفرغ من الكلام على لجان الرأي في شركات الإنتاج عبر جملة قصيرة هي ان الشركة تكلّف مدير انتاج موظفاً لديها متابعة نجم او اكثر تتعامل معه، ويقتصر دوره على بعض الحسابات المادية وبعض الملاحظات الفنية العابرة على بعض الأغاني التي يختارها النجم من دون تحديد أي معايير او اعتبارات فنية واضحة. المزاج هو الغالب، وبعض الخبرة «الميدانية»، اما لجان التحكيم في برامج هواة الغناء المتكاثرة كالفطر حيناً وكالعشب اليابس حيناً آخر، فقد انقلبت حيثياتها، وتبدّلت المعطيات التي تفرض عناصرها بناء على خبراتهم وإنجازاتهم العالية لمصلحة «معطيات» العلاقات العامة والادعاء و «الاستعراض» في أغلب الحالات.

في ذاكرة الجمهور اللبناني هناك لجنة تحكيم واحدة، لها صورة وقورة، هي لجنة «استوديو الفن»... البرنامج التلفزيوني اللبناني الذي امتد في تلفزيون لبنان الرسمي منذ 1973 حتى مطلع الثمانينات من القرن الماضي وأنجب وليد توفيق وماجدة الرومي وراغب علامة وعدداً كبيراً من المواهب الحقيقية التي ثبتت في «الزمن» الفني وتكرست... ثم أنجب البرنامج في مرحلة تالية مواهب أخرى حقيقية مثل وائل كفوري ونوال الزغبي وأليسا وآخرين حققوا حضوراً متميزاً بعد انتقال البرنامج إياه الى «المؤسسة اللبنانية للإرسال». لجان التحكيم في «استديو الفن» على تعدد مراحله وسنوات عمره كانت مزيجاً من التجارب الفنية القديمة والجديدة ممثلة بشخصيات مؤثرة: د. وليد غلمية وروميو لحود مثلاً كانا في أواخر الثلاثين من عمرهما لا أكثر عندما جلسا في اللجنة الى جانب الموسيقي السبعيني المعتق عبدالغني شعبان. وعندما أضيف مارسيل خليفة الى اللجنة كان في مطلع اشتغاله بالموسيقى. من عام 1973 حتى 1990 حافظ المخرج سيمون اسمر على هيبة لجنة التحكيم في برنامجه الأكبر والأكثر انتشاراً، وأبقى على عدد من أعضاء لجنة التحكيم طوال خمسة وعشرين عاماً شهوداً أكاديميين على أجيال فنية تتقدم وتأخذ مكانها. اما لجان التحكيم المنتشرة في برامج هواة الغناء اليوم فبعضها غث وبعضها سمين، بعضها يعرف ما يقول وبعضها يقول ما لا يعرف، بحيث ضاع المشاهد في تحديد رؤيته وتظهير حكمه على أعضائها نظراً للبروباغندا الاعلامية التي ترافق تلك البرامج عادة وتحول في ماهية الاشخاص ومستواهم من درجة واقعية الى درجة أخرى وهمية وأسطورية أحياناً!

لم يكن مطلوباً من عضو لجنة التحكيم في برامج هواة الغناء يومياً ان يصرخ بأعلى صوته كالمجنون وليس في كلامه إلا نبرة التهريج وانفعالاته! ولا كان المطلوب ان يطلق عضو اللجنة، أي لجنة، العنان لأوصاف وتشابيه كواكبية وفضائية ما انزل الله بها من سلطان على موهبة عادية تكاد لا تتجاوز مرتبة الوسط. ولا كان المطلوب تحويل منصة لجنة التحكيم الى منابر لمدعي المعرفة الفنية ومنتحلي الصفات الموسيقية والمسرحية. كان ولا يزال المطلوب تقديم تحليل لمستوى كل صوت ونقاط ضعفه وقوته، وإسداء النصح الفني لكل محتاج، والهواة محتاجون. أما ان ينقلب اعضاء اللجان الى «ممارسي» نجومية، وجلاوزة رأي، وفرق إعدام على الفور، وعارضي ازياء وعارضي مواقف وعارضي ثقل دم، فذلك ما لا يُحتمل، ذلك انه لا يقدم صورة رعناء أو ممجوجة أو هابطة لهذا وذاك وتلك ممن يتصدرون الشاشة فقط، بل ينعكس سلباً على البرنامج ككل فيعطيه صورة مماثلة في الرعونة والمجاجة والهبوط.

لقد قدّم «استديو الفن» نجوماً للأغنية اللبنانية والعربية، وكانت هيئة الهواة من هيئة لجنة التحكيم أحياناً، فكان جيل جديد للغناء عرفنا ماذا فعل، وكيف استمر اكثر من ثلث قرن في الواجهة. ألهذا السبب ربما ننظر حولنا فلا نجد هاوياً متخرجاً في البرامج المتوالية منذ «سوبر ستار» الأول وشقيقه «ستار أكاديمي» حتى «البوم» نجوم العرب مروراً بـ «اكس فاكتور» وما لف لفه استطاع ان يتجاوز إطلاق أول أغنية او ألبوم او فيديو كليب له بنجاح!

«كما تكونوا يولّ عليكم»... مقولة سياسية واجتماعية. مع برامج الهواة في الفضائيات الغنائية يمكن إحداث بعض التعديل في المقولة لتصبح «تكونون... كمن يولّى عليكم»!
صحيفة الحياة
http://www.daralhayat.com/culture/m...dea467-c0a8-10ed-0169-5e996c86c7e1/story.html
 
أعلى