قاسم حداد.. شعر فكري بلغتين ورسوم شعرية
السبت 25 سبتمبر 2004م، 11 شعبان 1425 هـ
قاسم حداد.. شعر فكري بلغتين ورسوم شعرية
بيروت – رويترز
مجموعة الشاعر البحريني قاسم حداد الجديدة "أيقظتني الساحرة" بلغاتها الثلاث العربية الاصلية وترجمتها الانجليزية واللغة التشكيلية التي رافقتهما.. تبدو ذات طبيعة فكرية واضحة في لغتها الاصلية التي كتبها بها الشاعر.
وتكاد الترجمة الى الانجليزية تكون نسخة أمينة عن النص العربي بطابعه الفكري الغالب الا في مجالات قليلة حيث سيطرت حالات من حرارة المشاعر على الهيكل الذهني الذي اقام عليه حداد بناء مجموعته في قصائدها المتعددة او فلنقل في الصفحات المتعددة لقصيدة واحدة.
اما "الترجمة" الثالثة والأكثر قربا الى عالم المشاعر الحارة فقد جاءت في تلك الرسوم التي تطل من الصفحات الصقيلة المتوسطة المئة والستين للمجموعة التي صدرت عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر وعن وزارة الاعلام والثقافة والتراث الوطني في مملكة البحرين. تحت اسم المجموعة "ايقظتني الساحرة" اورد الشاعر ما يشبه عنوانا فرعيا ايضاحيا هو "لا تكلمكم الا رمزا ففي ذلك نعمة لكم ورحمة عليكم". أما الترجمة الى الانجليزية فقد قام بها الدكتور محمد الخزاعي من البحرين وراجعها الدكتور كمال ابو ديب ورهام ابو ديب من سوريا.
واما الرسوم الداخلية فهي للفنانين التشكيليين البحرينيين عبد الجبار الغضبان وعباس يوسف احمد. وكان الفنانان قد اشتغلا على نص كتاب حداد تشكيليا واقاما معرضا خاصا بذلك في اليوم العالمي للشعرفي مارس اذار 2004 في مركز البحرين للفنون واختيرت رسوم الكتاب الداخلية من بين اعمال هذا المعرض.
الطابع الفكري الرمزي الغالب لهذه النصوص يبدو عملا مدروسا بعناية ليأتي على هذا الشكل الذي ربما اختلف عن بعض نتاج حداد ذي السمة الذهنية. وقد يكون الاختلاف هو ان نتاج الشاعر عامة جمع بين توهج حرارة المشاعر والمحتوى الفكري مخضعا كثيرا من الفكري لحرارة التجربة الشعورية التي تذوب هذا المحتوى فياتي من ضمنها.
اما العمل الاخير فهو اقرب الى نسج فكري بمهارة شاعر فنان صاغ مواد اعماله الثمينة "علىالبارد" اي بنهج الصائغ الماهر وترويه ودقته.. لتقول بلهجة نبؤة شعرية ما يبدو اقرب الي الفلسفي حينا والصوفي حينا اخر.
الاهداء الذي استهل به الشاعر الكتاب بدا.. ولا يهم الى من يوجه.. كانه كلام انسان صوفي او فيلسوف اشراقي تعوزه القدرة والكلمات على نقل "المشاهدة" او هل نستعمل تعبير "التجربة". يقول "اكثر الكلمات كثافة لمديحك. والخفيف الخفيف منها لمؤانستك. وما يتبقى حيث لن يكفي.. لوصفك".
اول "قصيدة" صغيرة او مقطع شعري في الكتاب بدا اشبه بمفتاح لجميع ابوابه التالية. يقول حداد في كلام موزون ومقفى يشكل حالة نادرة في هذه المجموعة "ايقظتني الساحرة-رسمت لي رمزها-وسقتني كاسها-كلما اغفو اراها-عند حرفي ساهرة".
وفي ما يبدو صراعا مع صعوبة نقل التجربة او الكشف عندما يختفي التوهج ويسيطر يقين بارد او استكانة لمتعة الجسد التي تزرع الصدا في الروح يقول "استحلفك يا زرقة النوم-غرري بي واجعلي الشهوة قنديلا لخطواتي-اججي روحي- وانتصري بها على جسدي-وخذي بقلبي ناحية العمل-اطلقي البراكين في دمائي لئلا اغفل-فاجلس الى طاولة-ويقعدني كرسي-وتنال مني راحة الحكمة".
وينتقل الى مجال اخر تلاحقه الجنية الزرقاء في اخذ ورد واسئلة واجوبة تتكرر في الكتاب كالحوارات مع المصطفى عند جبران خليل جبران فيقول "اوقفتني الجنية الزرقاء في الحنان وقالت-سمعتك قبل ان اراك-ورايتك قبل ان القاك- وعشقتك قبل ان اغشاك-وانتهيت بك قبل مبتداك-وسكرت بك قبل نبيذك-وهذا يكفي".
وفي حوار اخر معها يدخل الشاعر في عالم سحر الارقام والظاهر والباطن والواحد والكثرة والحرف ومرموزاته العديدة والكلمة التي تتجسد فيه والزيادة والنقصان فيقول "اوقفتني في العدد وقالت-يحصونك في كثير-واحد في الظاهر-اثنان في الباطن-يتناوب عليكم الحرف والخط-وكيمياء المعدن الكريم-وشخص واحد في الرقعة- والنسخ-والثلث-حبرك حرب-حبرك حبك-حبرك بابك الرحب-يحج الخلق اليه-حبر يجعل
الحق ساطعا".
وفي رحلة المتعة الفكرية التي تتكشف عنها صفحات كتاب حداد نقرأ عن الجنية الزرقاء ومشكلة المعرفة والادراك والذات والعالم و"سمسم" التي تفتح ابواب الغامض وتحل بها الطلسمات. يقول "اوقفتني في بابها وقالت-اذا طرقت لن افتح-واذا فتحت لن تدخل-واذا دخلت لن تصل-واذا وصلت لن تعرف-واذا عرفت لن تدرك-واذا ادركت لن تنال-واذا نلت لن اكون-فكل هذه الابواب لا تفضي بك الي-انا بابك اليك- وانت بابي الي-فتخير اين تذهب-وباي كلمة تفتح-اما انا فقد اخترت".